البتراء.. أعجوبة يخاف منها الزمان





ميسلون هادي

(اعتقد البدو أن الجن نحتوها بأمر من الفراعنة ووصف توماس صديق لورنس نحاتيها بالعبقرية العجيبة والمقدرة الهائلة على النحت وآثار الصقالات والمراقي والسلالم لا تزال بادية للأنظار على شكل بصمات أو حفر مربعة متساوية الأبعاد على جانبي الخزنة.)

***

عندما هبطنا وادي موسى قادمين إليه من جهة الشوبك في طريقنا إلى البتراء، أشار علينا سائق الحافلة بالنزول إلى عين ماء قريبة من المدخل الجنوبي للبتراء أسماها عين العرائس، وقال إن ثلاث عرائس قد جئن إلى تلك العين في زمان مضى من أجل الاستحمام والاستعداد لليلة العرس، إلا أنهن سقطن في العين ولم يتمكّنْ أحد من إنقاذهن، فغرقن وقضين وانقلب العرس إلى مأتم. ومنذ ذلك اليوم والعين تحمل اسم العرائس الثلاث وتطلقه ذكرى لكل عابر سبيل يمر بها لكي يشاركها الحسرة والأسف على صبايا قضين يوماً فيها، وبقيت العين شاخصة كمرثية لهن على مرّ الزمان.

هنا قلت لنفسي: أهكذا يا ترى تتحول الوقائع إلى أساطير؟

ينتقي الناس من الحوادث ما يلسع قلوبهم ويستعصي على النسيان فيشبعونه تداولاً.. وتفكّراً.. وحسرةً.. وحين يوغل الزمن في مسيرته يُضفي الناس على هذه الوقائع هواجسهم ومخاوفهم ويرتّشوها بأصداء من أصوات رؤوسهم، حتى إذا مرّ جيل أو جيلان تُنسى الواقعة وتبقى الأسطورة.

نشيد الخلود عبر الزمان

ولكن هناك من الأحداث ما لم تدونه لغة ولا تداولته شفاه أو تناقلته كتب. مع ذلك فإنه قد تحول إلى أساطير يتردد نشيد خلودها عبر الزمان لأنها محفورة في صخور الأرض ومنقوشة على حجارتها آيةً من آيات الفن والعمارة وشاهداً من شواهد الحضارة مهما أوغل الزمن في مسيرته لم ينتقص منها شيء، ولم يزد حرفاً عليه وكأنه صنيعة الإنسان الوحيدة التي لا يمكن أن يغدر بها الزمان.

إنها البتراء. واحدة من تلك الأعاجيب التي خاف منها الزمان. تلك المدينة الوردية التي نحتها أهلوها في الصخر قبل آلاف السنين، ولم تنل عوامل الطقس والتعرية، ولا زلازل الأرض وأمطار السماء إلا من القليل منها. إنها أثر لا يكشف عن نفسه للناظر مباشرة كما تكشف عن نفسها المدن والآثار الآخرى، مثل مدينة بابل وأهرامات مصر ومعابد الأقصر، بل هو يختبئ خلف ممر طويل هو في الأصل شق طبيعي بين جبلين، ويُسمى بالسيق، وعلى جانبي هذا الشق/الممر، وقبل وبعده بمسافات طويلة ومتشعبة نحت الأنباط الأوائل بيوتاً وواجهات ومسلات وأضرحة ومعابد وتماثيل لا تكفي زيارة واحدة للإحاطة بها وملء وعاء النظر من تفاصيلها المذهلة التي لا تكتمل روعتها إلا بتقسيم الزيارة إلى محطات، يتأمل الزائر فيها محطة في كل زيارة ليصل بذلك إلى أبعد نقطة من نقاطه فتكتمل عند ذاك الإحاطة بمدينة البتراء.

لمحة تأريخية

(البتراء) هو الاسم الذي يطلقه المؤرخون على عاصمة الأنباط ومعناه الصخرة. أما الأنباط فالقول في أصلهم قائم على التخمين والنظريات، كما هو الحال عن تاريخ احتلالهم لمنطقة (البتراء)، إذ أن أقدم أخبارهم لا تبتعد إلى ما قبل القرن الرابع. فهذه الأمة، كما جاء في كتاب إحسان عباس "تاريخ دولة الأنباط"، لم تخلّف لنفسها تاريخاً مدوّناً على نحو إخباري أو سردي أو تحليلي، وإنما اكتفت بالنقش في الصخور والمعابد والرموز الدينية وغير الدينية، من تماثيل وصور ومسكوكات، معالم تُغني عن كتابة التاريخ أو روايته. ولولا العلاقات الخارجية التي دخلوا فيها مع جيرانهم ما كدنا نعرف من أخبارهم شيئاً مكتوباً.

ومع أن الأنباط عاشوا على المشارف الشمالية من الحجاز فليس لهم ذكر في مصادرنا العربية التي تتحدث عما قبل الإسلام، وهذا شيء ليبدو مستغرباً حقاً. فقد عرف العرب، في الفتوحات الإسلامية وفيما قبلها وفيما بعدها، أن من يُدعوُنَ النبط هم أهل سواد العراق على وجه الخصوص، أو السكان الأصليون في العراق والشام على وجه العموم، وعُرفوا بحذقهم في الزراعة والعمارة واستنباط المياه واستخراج المعادن، وكانت لهم لغة خاصة بهم هي اللغة النبطية (الآرامية أو السريانية). وكل هذه المعلومات والخصائص تنطبق على أنباط البتراء. ولكن العرب لم يكونوا يعرفون شيئاً عن أنباط بترا هؤلاء، ولا عن موقعهم من التاريخ، ولا عن مآثرهم الحضارية. وهذا راجع إلى لأحد أمرين: أما لأنهم كانوا من الأمم التي كتبت بخط غير الخط العربي مما جعل عرب الحجاز لا يعرفون عنهم شيئاً ذا بال، أو لأن أنباط بترا قد ذُكروا في التاريخ باسم آخر، وهذا ما يبدو الأكثر ترجيحاً لدى المؤرخين.

قوم ثمود

ويُقرن بالأنباط عادةً شعبان هما (الآدوميون) و(بنو قيدار)، ويرى البعض أن بنو نعيد الآشوري هو الذي قضى على دولة الآدوميين في حملته التي قام بها سنة 522 ق. م مستهدفاً جنوب الأردن وشمالي الجزيرة العربية. أما (بنو قيدار) فمن الباحثين من يحاول الربط بينهم وبين ثمود الذي ورد ذكرهم في القرآن (علماً بأن عاقر ناقة صالح كان اسمه لدى المفسرين قدار). فإن صح هذا الافتراض فيكون القيداريون أو أعضاء الحلف الثمودي هم الذين جابو الصخر بالواد، ولفظة (جاب) تعني خرق الصخر. وقد ورد التعبير عن هذه الظاهرة في مواضع عدة من القرآن الكريم. هذه المواضع هي:

- سورة الأعراف/ الآية 74: "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوّأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين."

- سورة الحجر/ الآية 82: "وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين."

- سورة الشعراء/ الآية 149: "وتنحتون من الجبال بيوتا.ً"

فإن صح هذا الظن يكون الأنباط أحد أعضاء الحلف الثمودي. وإذا لم يكونوا كذلك فإنهم إذن إحدى الموجات البدوية التي تدفقت من جنوبي الجزيرة العربية على منطقة شرقي الأردن التي كانت موطناً لإيدوم ثم لقيدار. ويخلص الباحث، في هذا الصدد، إلى القول بأنه ليس في أصل الأنباط من قول حاسم، ولكن الثابت أن هناك مئات المواقع، في شرقي نهر الأردن، توجد فيها شواهد معمارية وخزفية من عصر الأنباط، وأهمها وأكثرها إثارة للدهشة على الإطلاق البتراء.

الدخول إلى البتراء

إذن نعود إلى (البتراء) الحاضرة، ونقف في مدخل الشق الصخري المؤدي إليها، والمسمى بـ (السيق)، حين نُضطر إلى التفكير بخيارين علينا استعمال أحدهما للدخول إلى البتراء: الأول هو السير على الأقدام، والثاني هو ركوب إحدى العربات التي تجرها الخيول. كان القرار في زيارتنا الأولى هو استعمال القدمين، بينما فضلنا في الزيارة الثانية استعمال عربة، وفي كلا الحالين فإن الدخول إلى البتراء يتطلب استعداداً رياضياً من نوع خاص وحذاءً خفيفاً مناسباً للمشي الطويل والتسلق بين الصخور، والصعود والنزول بين شعاب المدينة وأروقتها.

قبل الدخول عبر الممر الضيق نرى ثلاث كتل صخرية يُطلقون عليها اسم (صخور الجان)، وبعضهم يسميها بالخزانات. وفي مقابل صخور الجان هذه نرى (مدفن الحية)، وهي مقبرة توجد على جدرانها الداخلية نقوش نافرة، إحداها تلتوي وتتشكل على شكل حية. وعلى مقربة من مدفن الحية نرى مسلات تمتد تظلل قاعة الاحتفالات الجنائزية التي تعكس، كما في أكثر معالم البتراء، مكانة الموت عند الأنباط، والقيمة الفنية التي حصنوا بها قبور وأضرحة القادة مما سنأتي على ذكره بعد أن نمر بـ (السيق).

السيق

هو شق خصري هائل يصل طوله إلى 1216 متراً، ويبلغ ارتفاعه في بعض مواقعه حوالي 200 متراً. والسير على الأقدام خلال هذا الشق يتيح للزائر الاستمتاع بتفاصيل الألوان المتدرجة في عروق الرمل على جانبي السيق، وجدرانه المُزيّنة بمنحوتات تمثّل كبار الأنصاب عند الأنباط، مثل (ذو الشرى)، أو ما يمثّل القوافل التجارية والحياة اليومية للأنباط، مثل ذلك النقش الواضح لجَمل بارك على الأرض وبقربه ما تبقى من نحت لقدمي البدوي الجمّال.

وتحيط بـ (السيق) من الجانبين قناتان منفصلتان، كانتا في الأصل مخفيتان ببراعة، الأولى كانت تستخدم لري المزروعات وشرب الحيوانات، أما الثانية فكانت لمياه الشرب.

وامتاز الأنباط بنظام ري متطور وفريد من نوعه حيث كانت المياه تأتي من عين قريبة، ولكنها خارج المدينة، وتجري عبر هاتين القناتين إلى مركزها. في أعلى السيق لا تكاد تبدو السماء من خلال حافتي الجبل اللتين تتقاربان إلى بعضهما بحيث يوشكان أن يلتقيا أحياناً. إنه منظر فردوسي ظليل ومعتم، يذكرنا بشعاب كوكب متخيَّل من كواكب أفلام الخيال العلمي.

والسير خلال هذا السيق يستغرق نصف ساعة تقريباً مشياً على الأقدام، بينما تقطعه العربات، التي تمر بين دقيقة وأخرى وهي تقلّ بعض السواح، بأقل من عشر دقائق. ينفتح الشق بعد ذلك مباشرة على أهم معلم من معالم البتراء، وهو (الخزنة). وهو بناء منحوت بعمق في الصخور وبواجهة عرضها ثلاثين متراً تقريباً وارتفاعها أربعين متراً تقريباً. ويرجح بعض علماء الآثار أن تكون هذه الخزنة في الأساس معبداً للربة (مناة)، ويرى آخرون أن تكون للربة (العزى)، بينما يعتقد فريق ثالث بأنها ضريح ومعبد لأحد ملوك الأنباط.

في داخل هذه الخزنة توجد قاعة كبيرة محاطة بغرف صغيرة على جانبيها. ولا يبدو فيها من شيء يدل على أنها اتُّخذت ضريحاً، بل بالعكس، فواجهتها العملاقة وأعمدتها المقببة بتيجان كورنثية لمنحوتة بغاية الإتقان والروعة توحي بأنها مدخل باذخ لقاعة عرش أو حكم أو احتفالات.

وقد سُمّيت الخزنة بهذا الاسم لأن الاعتقاد كان سائداً بأنها كانت تُستخدم لخزن الأموال والجواهر، وبأن الجرّة الموجودة في أعلاها مملوءة بالكنوز، ولذلك حاول البعض تفتيتها عبر إطلاق النار عليها، ولكنهم لم يجدوا فيها شيئاً. ولأن الواجهة ترتفع شاهقة جداً قياساً إلى أية بناية شبيهة، فإنه لا يمكن تخيُّل كيفية وصول النحاتين والبنائين إلى قمته، وهو الأمر الذي دفع الأهالي، في ظل عدم وجود أية تقنيات متطورة بالطبع حينئذ، إلى الاعتقاد بأن الذين نحتوا تلك الواجهة من العماليق الذين أطوالهم ضعف أطوالنا. وهذا الرأي الشعبي هو أقرب إلى الخرافة منه إلى الحقيقة المقنعة. أما الرأي العلمي المرجح فيقول بأن تلك الواجهة نُحتت من الأعلى إلى الأسفل، خصوصاً وبأن آثار الصقالات لا تزال بادية للأنظار على شكل بصمات أو حفر مربعة متساوية الأبعاد على جانبي الخزنة.

إلى مركز المدينة

بعد الخزنة نعود لمواصلة السير في (السيق)، ونحن نرى على جانبيه ثغور أثرية كثيرة تستمر حتى ينفتح الممر الظليل مرة أخرى على فسحة رحبة مضيئة تمتد تحت السماء، ويقع على شمالها مسرح واسع يتألف من 33 صفاً من المقاعد نُحتت في الصخر، ويسع 3000 متفرج، ولكن آثار الزلزال المتلاحقة تبدو واضحة عليه.

جلسنا نرتاح على المقاعد التي نُحتت في الصخر. وعندما رفعنا رؤوسنا إلى أعلى المدرج، رأينا خلف المقاعد الأخيرة فتحات منحوتة هي الأخرى داخل الصخر، ولولا أنها نُحتت في القرن الأول الميلادي لقلنا إنها مقصورات من تلك التي يستعملها المخرجون الفنيون والتقنيون، في عصرنا الحاضر، لإضاءة الليالي المسرحية والمهرجانات وحفلات الأغاني.

بعد الاستراحة خرجنا من المسرح المكشوف عبر ممر مسقوف على شكل نفق يبدو أنه كان يُستعمل ككواليس من قبل الممثلين أو الراقصين أو من مستعملي خشبة المسرح. وفور وصولنا إلى المدرج النبطي وخروجنا منه أصبحت البتراء مدينة مكشوفة لزائرها. هنا كان مركز المدينة، وقرب المدرج على اليمين من المركز بقايا سبيل الحوريات. وبعد قليل يتبدّى لنا الشارع المعمد وبقاياه، ونصبح أمام البوابة الرئيسة الثلاثية، في الباحة المكشوفة التي كانت تضم الأسواق فيما مضى. أما الآن فثمة جِمال يقودها الجمالون مخصصة لتنزه السواح داخل البتراء، ومقهى لالتقاط الأنفاس بعد عناء المشي الممتع، ولارتشاف بعض المرطبات. كذلك ثمة فتيان فنانون يقومون برصّ رمل البتراء الملون داخل زجاجات صغيرة راسمين به لوحات جميلة من بيئة المدينة الأثرية، وإذا ما رغب السائح كتبوا له اسمه بالرمل داخل الزجاجة مقابل مبلغ بسيط لا يتعدى الدينارين. هنا أيضاً توجد بقايا معبد (الأسود المجنّحة)، وهو واحد من أماكن العبادة التي تم اكتشافها عام 1973، وربما يكون قد بُني في عهد حارثة الرابع. أما تسميته بمعبد (الأسود المجنّحة) فتعود إلى زخرفته التي تتضمن مجموعة من الأسود المجنحة، ويبدو أن هذا البناء كان مخصصاً لعبادة الآلهة إيزيس وأوزوريس، حيث عُثر على تمثالين لهذه الآلهة ضمن الحفريات.

يطل هذا المعبد على بوابة النصر الثلاثية المتصلة بالشارع المعمّد، والذي لم يبق منه غير بقايا أعمدة وأنصاب مكسّرة. في قلب هذه الفسحة، التي كانت مركزاً نابضاً بالحياة في العهود القديمة، توجد أطلال قصر بنت فرعون، وهو من أضخم المعالم المعمارية (البنائية وليست النحتية) الموجودة في البتراء وقد بُني في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد، وتقول الذاكرة الشعبية إن ملكاً من ملوك الأنباط ابتناه لابنته، ولكنه احتار بكيفية إيصال الماء إليه، فقررت البنت أن تتزوج من المهندس الذي ينجح في إيصال الماء إليه. إلا أن الحفريات المتتالية وطبيعة البناء المعماري وما وُجد فيه من نقوش وآثار دلّت على أنه كان معبداً مكرّساً لبعض آلهة الأنباط. والقصر الآن متداعٍ بفعل تعرض المنطقة لعدة هزات أرضية.

خزنة فرعون

في مصدر آخر يشير (لويل توماس) مؤلف كتاب "لورنس في بلاد العرب" الصادر عام 1933 عن مطبعة الكلية الوطنية في سورية إلى إن الجغرافيين اليونايين كانوا يطلقون على البتراء اسم بلاد العرب ووجود بعض الأبنية والرموز على الطراز المصري الفرعوني القديم تجعلنا نعتقد أن البتراء عمرها شعب كان يتصل بالمصريين أعظم اتصال. وأنك لتسمع من البدو الأحاديث الكثيرة التي تدل على هذا كما يقولون إن الجن هم الذين نحتوها بأمر من الفراعنة.

ويصف توماس صديق لورنس معبد البتراء مشيراً إلى أن سحره يرجع إلى ضخامة أعمدته وتناسب مثلثاته المزينة في أعلى البناء ودقة النحت وبديع النقوش التي تراها على جدرانه كما يشير إلى وجود صفين من التجاويف هي آثار المدارج والمراقي والسلالم التي كان يستعملها النحاتون، الذين يصفهم بالعبقرية العجيبة والمقدرة الهائلة في فن النحت. ويقول إن البدو الذين كانوا معه، قد أطلقوا على المعبد (خزنة فرعون) لوجود آنية عظيمة من الحجر في أعلى المعبد كان البدو لا يكفوا عن تصويب الرصاص عليها محاولين تحطيمها ليستولوا على الذهب الموجود فيها.

أما الكولونيل لورنس فإنه يرى أن المعبد الفخم قد شيد إكراماً للآلهة إيزيس وهي من آلهة قدماء المصريين وكانت محبوبة جداً في أيام حكم الإمبراطور الروماني هدريان، الإمبراطور الذي نحتت البتراء في عهده بطرازها الروماني الأغريقي قبل ألفي عام. كما يضيف توماس في كتابه "لورنس في بلاد العرب" أن المدينة واقعة في بطن وادي بيضوي شكل طوله يقرب من ميل ونصف وعرضه نصف ميل وترى في أعلى الوادي الحصون والقلاع والقصور والقبور وأماكن التسلية وكلها منحوتة في الصخر، أما في أسفل الوادي فيظهر أنه كان أشبه ببركة مياه واسعة حيث كان المقيمون في البتراء يتلهون بالإستحمام فيه، أما ألوان الأحجار الرملية التي تملأ المكان فيقول توماس: إنك لتجد لون الحجر في الصباح، في ضوء الشمس أشبه بقوس قزح عظيم يشع بالألوان البيضاء والقرمزية والزعفرانية والبرتقالية والقرنفلية وغيرها من الألوان التي لونت بها الطبيعة طبقات الحجر هناك.

ويقول إنه بعد أن انقطع ذكرها منذ سنة 536 وبالرغم من فتنتها، لا يقصد البتراء إلا عدد صغير نسبي من الأجانب وقد يكون السبب هو خوفهم (وهو هنا يتحدث عن عام 1917) من الخطر الذي يتعرض له الغريب عند زيارتها، فالبدو لا تروقهم رؤية الأجانب في هذه الأماكن الأثرية البديعة ويعتقدون أن معبد البتراء هذا يحوي كنوزاً من الذهب هم أحق به من غيرهم.

ومن طريف ما يذكره لويل توماس في هذا الكتاب أنه من المؤكد أن الطبقات الثرية كانت تنعم في هذه المدينة بالرفاهية والحياة الناعمة وتعيش حياة البذخ وضروب التسلية والحبور إذ كانت فيها صالات واسعة لإقامة الحفلات الموسيقية ولا تزال آثار برك الاستحمام موجودة لحد الآن. فهل يمكن، في ضوء ذلك، أن نتساءل عن احتمال ان يكون اسم البطراء هو أصل اسم مدينة البتراء؟

أعالي البتراء

نصعد بعد ذلك بضع درجات تأخذنا إلى متحف البتراء الذي يضم مجموعة مهمة من الآثار من حلي ومسكوكات نبطية وأخرى رومانية. وبعد المتحف سنضطر إلى إكمال جولتنا بالرجوع إلى المصادر والمراجع السياحية والثقافية والآثارية المتوفرة لدينا، ذلك أن الصعود إلى أعالي الهضبات البترائية يتطلب جهداً مضنياً ولياقة بدنية قد لا يمتلكها إلا الرياضيون والشباب، الأمر الذي يجعلنا نتساءل بهذا الصدد عن ضرورة توفير التسهيلات التكنولوجية الحديثة لهذا المرفق السياحي المهم في الأردن والمنطقة، ولعل أكثر تلك الوسائل ملاءمةً لهذا المكان وطبيعته هو عربات النقل المحمولة بالأسلاك الكهربائية (التليفريك).

إن بعض مباني ومنشآت البتراء الأثرية قد أُقيمت على هضبات مرتفعة، كما هو حال (أم البيارة)، تلك القمة الشاهقة التي لجأ إليها الأنباط - في الأرجح - حين هاجمهم جيش أنتيغوس السلوقي، والتي على الصاعد إليها أن يسلك طريقاً ملتوياً يبتدئ من الجنوب الشرقي ليصعد عبر سلسلة من الدرجات بناها الأنباط، ليتيسير الصعود، على شكل ممر يرتقي صعداً. وقد تهدم جانب من هذا الممر مما يضع سالكه على مشارف هوة سحيقة.

يقول الدكتور إحسان عباس، في كتابه "تاريخ دولة الأنباط"، بأن هذا المكان قد شهد تطوراً غير قليل ليتحول من ملجأ يحتمي به الناس عند الضرورة إلى حصن للمراقبة، الأمر الذي توجب وجود أحواض أو جواب ضخمة عميقة، وتقع على الجانب الشمالي الشرقي والجانب الشرقي من الهضبة، ولهذا سُمّي المكان باسم (أم البيارة). ولتسهيل جريان الماء إلى تلك الأحواض نُحتت له قنوات في الصخر.

من أعالي (أم البيارة) يمكن للزائر أن يطل على الأضرحة والقبور التي كانت لملوك الأنباط ووزرائهم وقادتهم الكبار، ومن أهمها ضريح (الجرة)، وضريح (الحرير)، وعلى واجهة الأخير ترسم الطبيعة لوحة نادرة بسبب تموجات الألوان في الرمل. وهناك أيضاً الضريح (الكورنثي)، وهو شبيه بالخزنة التي مررنا بها في بداية رحلتنا، وبقرب هذا الضريح يوجد ضريح (القصر).

من أعالي (أم البيارة) أيضاً يمكن مشاهدة قبر (الجندي الروماني) الذي أُقيم في عهد روما بعد سنة 106. ومما يمكن مشاهدته أيضاً (قلعة الوعرة) التي بُنيت عام 1161، أيام الحروب الصليبية، ثم هُجرت بعد الانتصار الذي حققه القائد صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين.

معبد نبطي تحول إلى دير

أما هذا الدير فهو أضخم المعابد الموجودة في البتراء، ويكون الوصول إليه عبر ارتقاء درج تحيط به صخور ذات تشكيلات مدهشة، وواجهات كهوف صخرية. والصعود إلى هذا الدير هو أكثر فعايات السياحة في البتراء مشقة ومتعة في الوقت نفسه، فالمنظر من الأعالي يستحق العناء حسب من يصل إلى هناك.

والدير في الأساس هو معبد نبطي ولكنه استخدم كدير في الفترة المسيحية (القرن الأول الميلادي) حيث أعلنت الامبراطورية الرومانية تحولها إلى الدين المسيحي فتحولت البتراء إلى مركز للأسقفية. ومن مكتشفات تلك الفترة أيضا الكنيسة البيزنطية التي تعود إلى الفترة الواقعة بين القرنين السادس والسابع، وأرضيتها تزينها الفسيفساءات الرائعة التي تصور فصول السنة الأربعة وأشكال الحيوانات المختلفة كالغزال والخروف والجمل والحصان إضافة إلى الطيور والأسماك وبعض الكتابات اليونانية.

دالت ثم زالت

وهكذا ظلت البتراء شبه مهجورة يكاد ذكرها يضيع في التاريخ حتى إعادة اكتشافها في بداية القرن التاسع عشر عندما سمع عنها رحالة سويسري عام 1812 م فجاء ليزورها ثم يعمل على إشاعة ذكرها في الغرب ثم في العالم بأسره.

ها هي البتراء الآن تعود لتبهر الزائر بسحرها كما بهرت ذلك الرحالة السويسري أول مرة، فقد أصبحت مركز جذب ثقافي قوي للكثير من المهتمين الذين يعدونها أعجوبة ثامنة تضاف إلى أعاجيب العالم السبع، ومع ذلك نعتقد أنها لا تزال مجهولة بالنسبة لكثير من سواح العالم على وجه العموم وسواح الوطن العربي على وجه الخصوص لأننا، خلال تجوالنا في هذه المدينة التاريخية، صادفنا الكثير من السواح الأجانب القادمين من مختلف بقاع العالم إلا أننا لم نلحظ سواحا عربا إلا فيما ندر الأمر الذي يحملنا على الاعتقاد أن هذه المدينة الساحرة لا تزال شبه مجهولة بالنسبة للسائح العربي بالرغم من أنها، كموقع أثري، لا تقل أهمية عن أهرامات مصر.

وربما يكون بعد البتراء عن العاصمة الأردنية عمان بمسافة غير هينة، واحدة من الأسباب التي أدت إلى ضعف السياحة العربية في هذه المدينة الوردية التي تروي نشيد الزمن الغابر ولكن سحرها الذي طوى الزمان قادر على طي ساعات أربع هي المسافة بين موقعها والعاصمة عمان.

وأخيرا فإن "البتراء" تقع على بعد 60 ميلا من العقبة ونحو 230 كم عن عمان وترتفع بحوالي 2700 قدم عن سطح الأرض، وربما يكون من الملائم إقامة مشروع للعربات المحمولة (التلفريك) بين مبانيها المتعددة وذلك بسبب مشقة التجوال بين هضابها ومسالكها الوعرة علما أن ثلاث ساعات من التسلق الصعب تقود إلى أعلى قمة في المدينة ضمن سلسلة جبال البتراء حيث يوجد ما يعتقد أنه قبر النبي هارون على ارتفاع (1350) مترا فوق سطح البحر.

3 التعليقات:

غير معرف,  10/01/2009  

شاكر
شكرا للموقع على هذا الموضوع الشيق والجميل والملئ بالمعلومات الجديدة والمفيدة

غير معرف,  10/01/2009  

مجهول
الموضوع جميل جدا جدا جدا

غير معرف,  10/01/2009  

معلوم
الموضوع جميل ومشوق جدا

دردشة الجامعات الأردنية

اخبار اكاديمية






*الدكتور أنعام خلف*
بكل جدارة واستحقاق نالت الدكتورة أنعام خلف عميدة كلية التمريض في الجامعة الأردنية درجة الأستاذية وذلك اثر تقييم مجمل إنتاجها البحثي والعلمي المنشور في عدد من المجالات العالمية والدولية .
ترفع المهندس ناصر الروسان رئيس المشاغل الهندسية في جامعة البلقاء التطبيقية إلى الدرجة الأولى تهانينا وألف مبروك
كما تقرر ترفيع حسنيه عبيدات رئيسة الديوان في كلية الهندسة التكنولوجية في جامعة البلقاء التطبيقية إلى الدرجة الأولى تهانينا والى الإمام .


باشر الدكتور محمد صالح الطراونة عمله خبيراً للدراسات الإكتوارية وإدارة المخاطر ومستشاراً للمدير العام في مؤسسة الضمان الاجتماعي يذكر أن الطراونة كان يشغل منصب مدير دائرة الهندسة في الجامعة الأردنية وأستاذاً مشاركاً في كلية الهندسة والتكنولوجيا فيها والطراونة حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الهندسة المدنية وعلى زمالة جمعية الإكتواريين المرخصين وعلى درجة محلل مخاطر معتمد من الولايات المتحدة الأمريكية ..

قرر رئيس الجامعة الأردنية الدكتور خالد الكركي تعيين الدكتور أنيس شطناوي مديراً لدائرة الهندسة بالإضافة إلى وظيفة الحالية مدير مكتب التنفيذ والمتابعة لمشروع الجامعة الأردنية / العقبة ويذكر أن شطناوي كان قد تقلد عدة مناصب أكاديمية منها رئيساً لقسم الهندسة المدنية ومساعداً لعميد كلية الهندسة والتكنولوجيا لشؤون الطلبة ويشار إلى أن شطناوي يعمل أستاذاً مساعداً في قسم الهندسة المدنية في الجامعة وهو حاصل على الدكتوراه في هندسة الإنشاءات من جامعة "اكرون/أوهايو" في الولايات المتحدة الأمريكية وله بحوث متخصصة في الإنشاءات .

قرر مجلس العمداء في جامعة البلقاء التطبيقية ترقية الدكتور زكريا القضاة عميد كلية عجلون الجامعية إلى رتبة أستاذ في الهندسة الكيميائية والقضاة متخصص في مجال هندسة الكيمياء الحيوية والبيئة وله العديد من براءات الاختراع .

قرر رئيس جامعة أل البيت تكليف الدكتور جمعة عباد للقيام بأعمال مساعد رئيس الجامعة إضافة إلى عمله مديرا لجهاز الرقابة الداخلية في الجامعة .


جامعاتنا

جامعة عمان الأهلية

http://www.college-help.org/uploads/21ammanalahlyia3.jpg

عالسريع






*جامعات جديدة في الشمال*
علمت خفايا من أحد المساهمين في إحدى جامعات الدراسات العليا في إقليم الشمال بان هناك كولسات لأصحاب رؤوس أموال ومستثمرين أردنيين في المجال الأكاديمي ينوون إقامة جامعة أهلية ما بين محافظي الزرقاء والمفرق

*أنشطة متنوعة لليرموك*

علمت خفايا بان جامعة اليرموك عقدت خلال العام الماضي 2009 حوالي 15 مؤتمرا علميا و20 ندوة علمية بالإضافة إلى 8 ورش علمية وتدريبية مختلفة تغطي كافة كليات وأقسام ومراكز الجامعة الأكاديمية .

*بحث علمي*
كشف الدكتور سليمان عربيات رئيس الجامعة الهاشمية عن نية الجامعة تخصيص 600ألف دينار من موازنتها للعام الحالي للبحث العلمي .

*الهاشمية خالية من التدخين*

قررت إدارة الجامعة الهاشمية منع التدخين في جميع مبانيها والمرافق التابعة لها انسجاما مع فلسفة الجامعة بخلق بيئة علمية صحية سليمة تعني بالمحافظة على الصحة العامة

*زواج عرفي*
يقال وليس كل ما يقال صحيحا أن عدد كبير من حالات الزواج العرفي قد تمت في إحدى الجامعات الرسمية وتحتفظ إدارة الجامعة عن الإعلان عن أسماء الطلاب والطالبات المتورطين بها .

*تحقيق*
قالت مصادر جامعية بان جهات مختصة فتحت تحقيقا في طرح عطاء لإنشاء مباني لكلية جديدة بعد ورود معلومات تتحدث عن وجود شبهة فساد في طرح العطاء وإحالته على إحدى الشركات المحلية

*عادي يا كبير*
الدكتور خالد الكركي رئيس الجامعة الأردنية قام بتجهيز شهادات العلمية وتقديمها لوزارة التعليم العالي والتي طلبة الشهادات الأكاديمية العليا لحملة الدكتورة على اثر اكتشاف بعض الشهادات المزورة والغير معترف بها .



  © Blogger templates The Professional Template by Ourblogtemplates.com 2008

Back to TOP