يا ويلي على المنسف الأردني!
بقلم: محمد حسن العمري
قائمة عرض باحدى محلات السمانة بوسط البلد بالعاصمة عمّان تقول "جميد كركي مضمون 100% بـ15 دينار للكيلو".
الان عرفت لماذا عندما اوصيت احد الاخوة على جميد اصلي (لبن مجفف)، من الاردن اذ كنت اعمل في جدة، كان منه ان احضر لي جميدا سوريا، قال احد الحضور الذين شهدوا المنسف المسبك بالجميد المقلّد هذا، والذي يساوي سعره وفق القائمة اعلاه ربع كيلو جميد بلدي او كركي كما يسمون "ان طعم الجميد هذا يشبه طعم رمل صويلح".
لا اعرف على وجه الدقة ان كان قد بلغ بنا ذات يوم ان نأكل رمل صويلح، لكن طعم الرمل هو واحد سواء جاء من حجارة صويلح الاردنية او من مدائن صالح في السعودية او من اي جبل ينحتون.
بعد ذلك من غير الانصاف ان نسأل الاردني الذي بدأ يستبدل الذي هو ادنى بالذي هو خير، وكيف تراجع الجميد البلدي الى الجميد المشبع بالطحين؟ ثم سخط اخر ما سخط الى منسف باللبن الرائب.
كيلو اللحم البلدي بعشرة دنانير (نحو 14 دولارا) والمنسف المتوسط على طريقتنا التي نعرف يلتهم خمس كيلوات من اللحم البلدي تكفي بالحد الاقصى لثمانية اشخاص، وكيلو جميد (20 دولارا) اي المنسف الواحد يساوي 100 دولارا اذا ما الحق باللوز والصنوبر والارز على اقل تقدير، ما يعادل وجبة تكفي لعشرين شخصا من اي من محلات "الفاست فوود" المنتشرة في كل زوايا عمّان، فلا اعرف ان كان الاردني قد "كبّر دماغه" فعلا، فلا يمكن ان يدفع الاردني ثمن الوجبة ما يكفي ثلاثة اشخاص من المجتمع الاميركي الذي يرفل بالدمستق والحرير"، ولذلك فمنسف الدجاج هو اخر نماذج السخط للمنسف الاردني الذي نعرف!
لك ان تتحدث عن قيمة الصنوبر اخر إضافات المنسف التقليدي التي ذهبت كما اللحم والجميد، وظل فيما بقى من اصول المنسف خبز الشراك، الذي ينفرد تحت الارز يشرب ما يشرب من شراب الجميد الذي غاب بالمطلق ونكهة اللحم كذلك، وكان يسمونه في اربد "المليحية" وكنا نسمع ان اهالي الجنوب البلد المنشأ للمنسف يضعون الخبز تحت الارز ومع ذائقة اللحم البلدي يصير طعمه غير.
كنا نعتقد ان ذلك غير مستساغ، لكن الذي يجربه حسب الاصول يرى قيمة خبز الشراك تحت المنسف الاصل، قدم احد المعزبين (المضيفين) الاردنيين منسف دجاج باللبن لاحد الضيوف، قائلا ان الشراك هو من اصول المنسف، فرد الضيف، يلتهم منسفا مزيفا "كل الاصول سحقت ولم يبقَ غير خبز الشراك" اذا هناك ما تبقى من المنسف حيث أصول المنسف.
جميل ان الوضع الاقتصادي الاردني قد حسر مراسم الاعراس او اكثرها في اختصار القِرى (طعام الافراح) الى صالات الافراح، ولم يتجه نحو المنسف "الاقتصادي"، منسف الدجاج باللبن والذي كان معروفا لدى الاخوة الفلسطينين باسم "الشاكرية" وفي بعض الاحيان كانت حتى الشاكرية افضل مستوى من المنسف المزيف هذا لانها باللحم لا بالدجاج، او هكذا اكثرها.
اذكر على سبيل المثال انه بعد الازمة الاقتصادية الاردنية اوخر الثمانينات، سمح الاردن باستيراد الدجاج المجمد الرخيص، وشاع وقتها ان هذا الدجاج هو قطعة خشبية محقونة بأبرة ماجي (مكعبات الشوربة المعروفة)، مع الاعتذار للشركة السويسرية العملاقة، واليوم امتد دجاج المزارع المحلي او غير المحلي ليصير الى مادة المنسف التي تبرأت من كل أصولها الا خبز الشراك.
يعرف العرب عنا الاردنيين اننا اصحاب كرم، المنسف عنوانه، فلا الازمة الراهنة ابقت للكرم سبيل، ولا المنسف ظل منسفا، فلعلنا نبحث عن نمط اجتماعي آخر نتباهى به، يكون عمر النصف له اكثر مما عمّر المنسف الذي ربما يودعنا او نودعه مع الجيل القادم الذي سيرى ان وجبة منسف تعادل ثلاث من الوجبات الاميركية (الجنك فوود) غير جديرة بان تعمر اكثر مما عمرت، في عالم بوصلته الاقتصاد.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق