الوكيل
في ذلك اليوم الذي اغلقت فيه ثلوج الخير شوارع المملكة ولم يتمكن مذيعو نشرة الاخبار في التلفزيون الاردني من الوصول الى مبنى التلفزيون كانت فرصة ذلك الشاب التي انتظرها طويلا .. وهو الذي اعتاد على (تربص) لحظة انتهاء المذيعين من تقديم نشرات الاخبار ليتعاون مع زملائه الفنيين على (لملمة) اوراق النشرة والتدرب على قراءتها امام الكاميرا: علّ لحظة ما تقوده للجلوس خلف (ميكرفون) شاشة التلفزيون الاردني الذي لم يكن من السهل أبداً في ذلك الوقت ان يصبح فيه أي شخص مذيعاً فكيف بمذيع للأخبار؟
في يوم الثلجة الذي غاب فيه مذيعو الاخبار أتته تلك الفرصة التي كان ينتظرها فتمت الاستعانة - على عجل - بمذيع (الطوارئ) محمد الوكيل.
ومنذ تلك اللحظة نصحه جهابذة المذيعين واساتذة" الكار" في ذلك الزمن الجميل امثال جبر حجات وابراهيم شاهزادة ان يتعب على نفسه اكثر من خلال عمله كمذيع ميداني لينطلق الى الميدان نحو أربع سنوات لتأتيه بعد ذلك فرص احسن لاستغلالها والاستفادة منها ، فمن برنامج"يوم جديد" الذي ابرز فيه قدراته في الاعداد والتقديم ، الى نقطة تحول كبرى في حياته العملية وتواصله مع المغفور له باذن الله جلالة الملك الحسين من خلال برنامج "تحية أردنية"الذي كان يبث برغبة من جلالته وبتوجيهاته حيث كان يشارك في اختيار فقرات ذلك البرنامج واعداده من خلال مدير الأمن العام الحالي الباشا حسين هزاع المجالي الذي كان مرافقا لجلالة الحسين وقتذاك وكان ينقل توجيهات وتعليمات وملاحظات جلالة الحسين على البرنامج الى محمد الوكيل الى ان توقف البرنامج مع رحيل الحسين رحمه الله ، ليواصل الوكيل بعد ذلك ابداعاته في برنامج"يحدث اليوم"ويكون الانتقال بعدها الى اذاعة (فن أف ام) والاستقالة من التلفزيون الاردني للعمل في تلفزيون الـ (atv) الذي لم يقدر له ان يرى النور.
.. ومن هنا كانت الانطلاقة عبر راديو" فن اف ام" وبرنامج"بصراحة مع الوكيل"منذ نحو سبع سنوات ليصبح خلالها ذلك القادم من سحاب عبر (قرطوسة) ميكرفون ورقي نجما ينتظره الاردنيون مع اشراقة كل صباح ليشنّفوا بصوته وبضحكته المجلجلة والمحببة آذانهم وليتربع على كرسي"فارس الميكرفون الذهبي" ويصبح المذيع الاول.. وبرنامجه الاكثر شعبية بحسب دراسات (ابسوس ستات) لسبع سنوات متتالية.
محمد الوكيل (ابو هيثم).. هل توقعتم هذا النجاح؟
- أبداً.. ولكنه توفيق من الله ، لقد كانت مغامرة ان اترك التلفزيون الى الاذاعة ، ففي التلفزيون الصورة تساعد وهناك مؤثرات اخرى تساعد وتريح المذيع ، بينما في الاذاعة الجهد اكبر اذ عليك ان تجمع كل طاقاتك بعد صوتك لتجذب المستمع.
المغامرة الثانية كانت في التحدي ماذا يمكن ان اقدم فنحن نضع اغاني فيروز قبل البرنامج لذلك كانت المغامرة بأن ابدأ الصباح في برنامجي بالاغاني الوطنية وقد نجحت والحمد لله.
.. وماذا عن سقف الحرية؟
- له دور كبير في النجاح ، فصاحبا الاذاعة السيدان زيد جمعة ومهند خليفة لم يضعا قيوداً امامي ، بل على العكس قدما كل التسهيلات ومنحاني الثقة انطلاقا من خبرتي السابقة عبر مشواري في التلفزيون الاردني وتركا لي مطلق الحرية للتحرك بمساحة واسعة.. وحين انطلق برنامجي لم يكن سوى برنامج (البث المباشر) في الاذاعة الاردنية وبرنامجي لذلك كانت الساحة والفرصة مواتيتين ، ونجحت في التفوق ، والان هناك نحو 14 برنامج بث مباشر ، ونحن بفضل الله ما زلنا في المقدمة.
... وماذا عن لهجتك الاردنية البسيطة القريبة من المستمعين؟
- بالتأكيد لها دور في الوصول الى اذن وقلب المواطن ، فقد أحب المستمعون لهجتي الاردنية (المحكية) وعفويتي في الحديث معهم دون تكلف او تملق.. أحمل همومهم وانقلها الى المسؤولين.. وادافع عن حقوقهم ومشاكلهم بقوة.. وبالمناسبة انا أهاجم من يستحق ، فأنا اهاجم اخطاء المسؤولين وليس اشخاصهم وقد أمدح انجازاتهم ونجاحات ما يقدمونه للوطن والمواطن في اليوم التالي.. فليس عندي (اجندات).
وما سر الضحكة التي اشتهرت بها؟
- كانت ايضا مغامرة نجحت بها وكسرت (التابو) او التقليد والجمود ، وسببت لي هذه الضحكة - وغيرها - مزيدًا من الاشاعات والانتقادات ، لكن الناس احبوها ونجحت ولله الحمد لانها طبيعية وغير مصطنعة. وبالمناسبة اكتشفت بعد سبع سنوات في العمل بهذا البرنامج وتأكدت بعدم صحة مقولة ان (الاردني كًشًر) على العكس تماما ، الناس تحب النكتة والضحكة ويصلني من النكات صباح كل يوم الكثير الذي يؤكد كلامي ، وينفي تهمة (الكشرة الاردنية).
كيف أصبحت مذيعاً؟
- قصة طويلة من المعاناة.. ولكن اذكر حين كان المرحوم محمد امين مديراً للاخبار احببت ان اكون مذيع اخبار ، فرفضوا ذلك ، وكنت اعمل في قسم الرصد الاخباري ، ارصد اخبار الاذاعات واجهزها لرئيس الاخبار ، وكنت عندما (يروحوا) المذيعون اجمع اوراق النشرة ويساعدني زملائي بتشغيل الاستديو واتدرب على تقديم النشرة (وهذا بعلم الادارة) الى ان جاءت فرصة العمر في يوم (الثلجة) وكنت أسكن في سحاب وبسبب الثلوج (نمت) في فندق كراون القريب من التلفزيون
وحين لم يحضر مذيع الاخبار استدعوني على الفور وقدمت يومها نشرة الاخبار ، ومنذ ذلك الحين وضعوني "مذيع طوارئ" ثم نصحني كل من جبر حجات وابراهيم شاهزادا بتنمية موهبتي من خلال العمل الميداني فعملت مندوبا للاخبار المحلية لنحو اربع سنوات.
وحكايتك مع يوم جديد؟
- حين اصبح السيد ناصر جودة مديرا للتلفزيون كنت قد وصلت الى مرحلة تغطية النشاطات السياسية وصارت تفتح امامي فرص جيدة الى ان شكل السيد جودة فريقا لبرنامج يوم جديد وكنت مع فريق يضم بشار جرار وكارولين فرج وأنا لأصبح لوحدي بعد نحو ستة اشهر واواصل تقديم واعداد البرنامج لنحو ثلاث سنوات متتالية ارهقت بعدها وطلبت ان اقدم برنامجا مسائيا فكان برنامج "تحية اردنية".
برنامج "تحية اردنية" كانت له نكهة خاصة وموعد خاص وحتى ازياءك ولبسك كان مميزا تعبق منه رائحة الوطن ما قصة هذا البرنامج؟
- حين دخل جلالة المغفور له باذن الله الملك الحسين الى مشفى"مايوكلينك"طلب برنامجا يشتم منه رائحة الوطن ويتابع من خلاله اخبار شعبه فكان هذا البرنامج بتوجيهات جلالته ولذلك كان يبث من الساعة 12 مساء حتى الثانية فجرا بتوقيت عمان ، وهو في حدود الخامسة بتوقيت الولايات المتحدة تقريبا ، وكان جلالته يبدي ملاحظاته وتوجيهاته على البرنامج من خلال مرافقه آنذاك الباشا حسين هزاع المجالي مدير الامن العام الحالي الذي كان يبلغني سلام جلالته وملاحظاته وما يطلبه في البرنامج.
وحين توفى جلالته توقف البرنامج وعملت برنامجَ"يحدث اليوم" .
هذا البرنامج الذي انتقلت بعده الى الاذاعة؟
- قدمت لاذاعة"فن اف ام" من اجل تحسين راتبي ووضعي المالي وكنت اعمل في التلفزيون براتب متواضع ، فحصلت على راتب مماثل في الاذاعة ، الى ان فُتحت محطة ATV التلفزيونية وعرضوا عليّ راتبا مغريا جدا مقارنة براتبي في التلفزيون الاردني فقدمت استقالتي من التلفزيون الاردني ، ولم تنطلق محطة الـATV منذ ذلك الحين لأنطلق متفرغا في برنامج "بصراحة مع الوكيل".
كيف تصف لنا بدايات البرنامج وما وصل اليه الآن من نجاحات؟
- في البداية كنا نتواصل مع الناس عبر الفاكس فقط ، الآن عبر 7 وسائل منها الفاكس والإيميل والـ SMS والـ MMS وغيرها.. معدل ما يصلنا من شكاوى كان في حدود الـ 100 شكوى ، الآن اكثر من الف شكوى نتعامل معها في البرنامج يوميا نصفها تقريبا قضايا شخصية وانسانية.. اما على هاتفي الخاص فأتلقى اكثر من الفي اتصال او رسالة SMS ، في البداية كنا نعاني ونبذل جهودا في توصيل رسالة الناس للمسؤولين ، الآن كثير من المسؤولين يبادرون ويتصلون بنا لمساعدة الناس والرد على استفساراتهم.
تلقيتم اتصالا من جلالة الملك عبدالله الثاني وآخر من جلالة الملكة رانيا؟
- نعم تشرفنا في الاذاعة من خلال برنامجي باتصال من جلالة الملك منذ نحو اربع سنوات بمناسبة عيد الأم وتكرم جلالته وكرّم عشرة امهات اتصلن بنا في ذلك اليوم وامر بمساكن لهن وتلبية كافة احتياجاتهن.
كما تشرفنا باتصال من جلالة الملكة رانيا العبدالله منذ حوالي ثلاث سنوات في اعقاب حادث تدهور باص على طريق جرش وتحدثت جلالتها يومها عن السلامة المرورية وحماية ارواح المواطنين.
ماذا عن فريق عمل البرنامج.. خاصة"اميليو" و" وسيم" وباقي الزميلات والزملاء ؟
- الفريق منذ انطلاق البرنامج متجانس ومستقر وهذا من عوامل النجاح فهناك تفاهم وانسجام وتعاون بروح الفريق الواحد ، نبدأ عملنا باكرا ويصل عددنا الى نحو عشرة من معدين وفنيين.
حدثنا عن جانبك الشخصي.. والدك ، والدتك .. طفولتك؟
- منذ طفولتي اراقب المذيعين ، واحلم بان اصبح مذيعا وكنت اعمل "قرطوسة" للمزاح مع زملائي والحديث وكأنها ميكروفون.
كنت معجبا جدا بالمرحوم محمد امين وانتظر برنامجه الشهير "ريبورتاج" لحظة بلحظة.
كذلك كنت معجبا كذلك بالمرحوم رافع شاهين ، وجبر حجات وابراهيم شاهزاده.
في مشواري يعود الفضل لله اولا واخيرا ، ورضا الوالدين.. والدي متوفى ، وقد عاش الى لحظة سعادته بنجاحي والحمد لله وكان دائما يقول لي "عمرك بحياتك لا تخاف ما دام انت رضي" والحمد لله توفي وهو راض عني.
امي اطال الله في عمرها رافقتها منذ اسابيع لأداء العمرة وهي تنتظرني يوميا قبل برنامجي بربع ساعة وتستمع للبرنامج وتقول لي دائما: "قد ما تقدر ساعد الناس".
ولي 8 اخوة و5 اخوات وترتيبي الوسط تقريبا بين اخوتي.
برجي الاسد ، عاطفي جدا.. ابني هيثم اراه قريبا جدا من الميكروفون ايضا وحب الاذاعة. ولكن هو يختار ما يحب.
عبر سبع سنوات من التواصل المباشر مع هموم وشكاوى الناس.. حدثنا عن موقف لا تنساه؟
- المواقف كثيرة ولكن بالنسبة لي "عزيز النفس يذبحني". وقد حصل ان اتصل بي صديق يطلب مساعدتي بتقديم مساعدة لرجل كبير في السن عزيز النفس لديه بنات واولاد كبار وهو محتاج ويحتالون عليه لمساعدته ولكن عزة نفسه تمنعه ، فطلبت مقابلته ، وجلست وقتا طويلا في الحديث معه وبمقدمات طويلة ..وانني مثل ابنه.. وغيرها من الكلمات ثم اشرت الى الزملاء بمناولتي مغلفا به بعض النقود وقد كان الرجل ذكيا ولماحا ، فنظر اليّ والدمعة حيرى في مقلتيه تأبى الخروج ، رأيت نظرات عينيه - التي لن أنساها - فلم احتمل واحسست بضيق شديد من صعوبة الموقف الى ان سقطت مغمى عليّ ونقلت الى المركز العربي ومكثت نحو اسبوعين ومن يومها آخذ حبوب الضغط من ذلك الموقف منذ اربع سنوات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اختر مجهول واكتب اسمك في بداية نص التعليق